
الفنّان الكبير محمد الزياني، سَفيرُ درعة تافيلالت البارز، قدّمَ لوحاتٍ إبداعيةً تجسّدُ روحَ المغرب بكلّ أبعادها الإنسانية والثقافية في باريس، مُحمَّلاً برسالةٍ فنيّةٍ عميقة الدّلالات.
ففي تجربته الرائدة، ينسجُ الزياني حكاياتِ شخصياتٍ تواجهُ تحدي “العبور” فوق حُجُراتِ الوادي، كاستعارةٍ قويّةٍ لتجربة الإنسان المغربي الساعي نحو التغلب على العقبات منذُ طفولته: عبورُ الطفل إلى المدرسة، وعبورُ الفتى إلى السوق، وعبورُ الشاب من القرية إلى المدينة، وعبورُ المغتربِ من الوطن إلى المهجر، بل وعبورُ المرءِ ذاته من مرحلةٍ إلى أخرى في رحلة الحياة.
ليست “العبور” مجرد حركةٍ مكانيةٍ فحسب، بل هي رمزٌ للتحوُّلِ الجوهري: من الجهلِ إلى التنوير، ومن التخلُّفِ إلى التحضُّر، ومن الهُروبِ من الواقعِ إلى تشكيلِهِ بإرادةٍ مبدعة. إنها دعوةٌ لاجتيازِ حدودِ “المنطقة الآمنة” إلى فضاءِ التحدي والإنجاز، وإلى انتزاعِ الاعترافِ بالجهاتِ المهمَّشة التي تلفظُ أبناءها رغم ثرائها الثقافي، بدلَ أن تحتضنَ مبدعيها كمصادرَ للفخرِ والارتقاء.
بهذا الإرثِ الفنيّ الثري، يصيرُ الفنان محمد الزياني حارسًا أمينًا للذاكرةِ الجمعية، يُجسِّدُ بألوانهِ أحلامَ شعبٍ وآلامَه، فرحَه وشجنَه. فتحيةً لهذا المبدعِ الذي أضاءَ دربَ الفنّ برؤيته، وسَخَرَ فنهُ جسراً بين التراثِ والحداثة، وبين المحليِّ والعالمي.
دمتَ أيها المُلهِمُ شاهداً على عظمةِ إبداعِ المغرب، ونحنُ هنا نسيرُ على خطاكَ، نقتفي أثرَ ريشتكَ التي تُخرِجُ من ظلماتِ الوادي أنوارًا تهدي الأجيال.