العطاوي تكتب : النقوب .. تاريخ وحضارة

آخر تحديث : الأحد 26 فبراير 2023 - 7:35 مساءً
العطاوي تكتب : النقوب .. تاريخ وحضارة
ماروك نيوز / مراكش

تُوصَف بأنها بلدة الـ45 قصبة، ما إن تطأ قدماك أرضها حتى ترى القصبات متعددة الطوابق تناطح السماء وتتحدى عوادي الزمن وقسوة المناخ.. إنها بلدة النقوب، حيث “تيغرماتين” والمعمار الأمازيغي القديم يفرض هيمنته على بصرك، رغم أن الإسمنت بدأ يزحف رويدا رويدا على البناء القديم الذي يميزّ المنطقة برمتها. شكلت سنة 1880 النواة الأولى لتشكیل إغرم النقوب وھذا بعد تحقيق الشروط الضروریة . لعيش الإنسان المتمثلة في الماء عصب الحیاة حیث تم حفر الخطارات ابتداء من سنة 1886 والخطارة هي مجموعة أبار يربط بينها نفق يمر منه الماء وهي طريقة لاستغلال المياه الجوفية دون عملية الضخ. وقد تم حفر الخطارة الأولى “تاركا ن تمازیرت” من طرف عمال تم جلبھم من منطقة تودغا لتفوقھم في ھذا المجال ،ثم بعد ذالك قامت الساكنة بحفر الخطارة الثانیة ” تاركا ن اومردول” من طرف نفس العمال من تودغا و أضیف الیھم ھذه المرة عمال من تافنشنا ،وكان يتم تقسيم المياه عبر أشكال وتنظيمات عرفية معقدة. كما ارتبطت خطارة النقوب بمعلمة تاريخية تسمى “أوديم ” تم تشييده سنة 1913 بهدف حراسة الخطارة ليلا ونهارا من خطر الاعداء الذين يسعون لهدمها أيام السيبة وكذا خوفا من استلاء العدو على مصدر الماء وبالتالي مغادرة المكان فلا حياة بدون ماء . بعد توفیر عنصر الماء الذي یعتبر أھم عنصر یشجع الإنسان على الاستقرار، اٍنتقل ایت سلیلو النقوب إلى بناء مسجد الواحة ” مسجد إیمي ن اغرم” ،إلى جانب المسجد تم الشروع في بناء القصبات التي میزت الطابع العمراني لواحة النقوب من أجل السكن فیھا وتخزین مؤنھم وذخائرھم والتي باتت ذات رمزية اجتماعية وسياسية وثقافية تميز المنطقة.ويعتبر النقوب من الدواوير الكبيرة في المنطقة التي لا توجد بها زاوية. وترجع تسمية النقوب الى كون المنطقة تتوفر على غار مفتوح من جهتين بشمال الهضبة التي يتموقع عليها إغرم النقوب قرب واد توداشت ویطلق علیه بالأمازیغیة المحلیة “النقب” ، وحسب الروایات الشفویة وما أكده كبار القبیلة فان ھذا الغار كان محطة استراحة للرحل قدیما حیث ینزلون في ھذا المكان أثناء طریقھم إلى “درا” أي واحة درعة من اجل جلب التمور إلى محل سكناھم في جبل صاغرو،و”النقب” یعتبر محطة أساسیة خلال سفر ایت عطا بحیث یمكثون فیه لیلة واحدة ویستریحون ، ولذالك أصبح ھذا الاسم رائجا بینھم دائما”نزلت بالنقب ، كنت بالنقب …” إلى أن أصبحت المنطقة كلھا تنعت بھذا الاسم لیصبح بعد ذالك النقوب . أيت أنير يتشكلون من امازيغ صنهاجيين من الدرجتين الثانية والثالثة، وينحدرون حسب الأسطورة من ايت ولال ويتضح من خلال بعض المصادر التاريخية أن ايت أونير كانوا ضمن المؤسسين الأوائل لاتحادية أيت عطا، وينحدرون من صنهاجة اللثام وصنهاجة الاطلس أي من الطبقتين الثانية والثالثة حسب ترتيب ابن خلدون. ينقسم خمس ايت ولال وايت أنير الى قسمين هما ايت ولال وايت أونير وكل عظم يتشكل من افخاذ حيث نجد أن ايت أونير ينقسم الى ايت إينور وايت الربع، ثم ايت إينور ينقسم بدوره الى ايت سليلوا وايت مسكور. وما يهمنا هنا هو ايت سليلوا الذين يتوزعون قديما بين النقوب، حيث يتواجد الجزء الكبير منهم، ثم دوار سليلوا ببومالن دادس وجز ء آخر ولكنهم قليلوا العدد بأيت رحو بجماعة تنزولين. وفي هذا الإطار يقول زايد ابليهي ان “أغلب أيت أونير رحل يملكون قطعانا ذات أعداد كبيرة، كما يملكون مواقع هامة وكثيرة بدرعة ووادي النقوب وصاغرو ودادس وبسفوح الاطلسين الكبير والمتوسط المنحدرة نحو أزيلال وبني ملال. وتتشكل قبيلة أيت سليلو من أربعة أفخاذ وهي أيت أومناصف (ابرباش،أيت إطو ،أيت عيسى أعلي) وإفرامن (أيت تمكونت،أيت الحسن أقاسي،ايت باحساين) وأيت كراض (أيت عيسى أحمو ،أيت داود أعمر، أيت يعقوب ) واحة النقوب من خلال اسمھا المجازي “مملكة القصبات” التي یحلوا للساكنة تسمیة قریتھم بھا ،یدل على غنى ھذه البلدة بتراث مادي معماري متمثل في القصبات ، فھي بلدة 45 قصبة كـأكبر تجمع للقصبات على المستوى الوطني ، مما یؤھلھا أن تكون وجھة سیاحیة من شأنھا أن تساھم في التنمیة المحلیة لساكنة المنطقة .وتتمیز هذه القصبات من ناحیة تركیبتھا البنائیة والھندسیة بحجمھا الكبیر وشكلھا المربعي من زوایاھا الأربعة ،و تتمیز كذالك برونقھا وجمالیتھا وبساطة المواد المستعملة في بنائھا والتي تتخذ من الطبیعة المحلية منبعا لها كجدوع النخيل مثلا. أضف إلى ذلك ماتتمیز به قصبات النقوب من زخارف جمیلة ورموز ذات دلالات ثقافیة عریقة عراقة التاریخ الأمازیغي والعطاوي ، كما تتمیز ھذه القصبات أیضا بكونھا مصممة ھندسیا لترطیب الجو في فصل الصیف وتقي من البرودة شتاءا. وكأي تراث مادي ولامادي یعبر عن ھویة وثقافة إي تجمع بشري معین ، فإن قصبات النقوب تعبر عن الھویة والثقافة الأمازیغیة العطاویة بواحة النقوب ، وكغیرھا من المباني التاریخیة فإنها مھددة بالسقوط والانھیار ولو بشكل متفاوت ، لدى وجب وضع برامج من اجل حمایتھا وصیانتھا والتعریف بھذا الموروث الحضاري .

بقلم نعيمة العطاوي.

2023-02-26
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)

زكرياء البشيكري