عبد المغيث جبران
شخصيات كثيرة تنتمي إلى مختلف مجالات المشهد السياسي بالمغرب تستحق أن تحظى بأن تكون على رأس شخصيات سنة 2014، التي يكاد العالم أن يودعها ليستقبل عاما جديدا، غير أن 12 شخصية منها استطاعت أن تبصم بشكل أو بآخر عن حضورها وتألقها خلال هذه السنة.
ولأنه لا يمكن استحضار جميع الشخصيات التي لا تزال تتفاعل وتنشط في المشهد السياسي بالبلاد، أو تلك التي ودعت الدنيا تاركة خلفها مسارات متفردة، فقد اختارت هسبريس هذه العينة المنتقاة من الشخصيات السياسية المغربية، و”يكفي من القلادة ما أحاط بالعنق” كما يقول المثل العربي.
الوفا.. الوزير “التحفة”
لا يمكن أن يمر طيف وزير الحكامة والشؤون العامة، محمد الوفا، دون أن يستوقف المتابع المغربي للشأن السياسي والحكومي خاصة، فالرجل يمتلك من الطرافة وخفة الدم ما يمتلكه، ومن الجرأة والحزم ما يمتلكه، فإذا مزجتَ بين هذه الصفات حصلت على خلطة مثيرة اسمها “الوفا”.
الوفا يُحسب له أنه وقف بصمود أمام أرباب المخابز حتى لا يرفعوا سعر الخبز، واعتبره خطا أحمر عند المغاربة لا يمكن تجاوزه، كما أنه كان صارما عندما أعلن أنه لا وجود لزيادة في سعر “البوطة”، فحصل بذلك على شيء من ود وتقدير الشعب، حتى لو كان لسانه “طويلا” بعض الشيء.
الرميد.. محامي الحكومة
وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، يستحق بدوره أن ينضم إلى شخصيات سنة 2014، فالرجل أبدى تعاطيا إيجابيا في جميع الملفات التي تتبع للقطاع الذي يشرف عليه، كما يوسم بالالتزام في العمل، والرغبة في إصلاح منظومة العدالة، رغم أن قراراته لم تحظ دوما برضا الجميع.
وحاول الرميد أن يعطي الأولوية لإصلاح قطاع القضاء لمحوريته وأهميته في استتباب الأمن والاستقرار الاجتماعي، كما يلعب دورا حاسما في جلب الاستثمارات إلى البلاد، وذلك من خلال الهيأة العليا للحوار الوطني حول إصلاح منظومة العدالة التي أطلقها الملك.
هلال.. شوكة في حلق الجزائر
ظهر عمر هلال، سفير المغرب الحالي لدى الأمم المتحدة، بقوة سنة 2014 عندما دافع بكل ما أوتي من جهد ودبلوماسية عن صحراء المغرب، وواجه في سبيل ذلك حيل الجزائر وافتراءاتها داخل الأمم المتحدة، حيث شكل للجارة الشرقية وصنيعتها البوليساريو شوكة في حلقيهما.
هلال، 63 عاما، واجه بشراسة الآلة الدعائية والسياسية الجهنمية للجزائر، بالتأكيد على أنه لا بديل للتفاوض حول مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحتها المملكة لحل نزاع الصحراء الذي عمر طويلا، كما استطاع أن يلفت نظر العالم إلى ما سماه “مأساة القرن” في مخيمات تندوف.
الوردي.. سيف ديموقليس
الحسين الوردي، وزير الصحة، يحمل سيفه البتار ويقطع رؤوس المفسدين في قطاع الصحة بالبلاد..هكذا يراه الكثيرون ممن أعجبتهم قراراته الزجرية التي تخذها، لكن دون أن تنال نفس الإشادة عند آخرين، وهو يدرك تماما أن “رضا العاملين بقطاع الصحة غاية لا تُدرك”.
محاربته لغياب أطباء القطاع العام عن مقرات عملهم، وسعيه المتكرر لتحسين جودة الخدمات الصحية، وزياراته التفقدية المفاجئة لعدد من مستشفيات البلاد، فضلا عن تفعيل قرار تخفيض أسعار الأدوية بجميع صيدليات المملكة، في شتنبر 2014، كلها عوامل وغيرها تجعل الوردي “وردة” الصحة هذا العام.
جطو.. “البق ما يزهق”
محاسب المملكة الأول، إدريس جطو، رئيس المجلس الأعلى للحسابات، يحسب له المغاربة أنه استطاع أن يدخل شيئا من “الرعب” في نفس عدد من المسؤولين والمؤسسات العمومية، حيث كلما نطق أو قدم تقريرا، إلا وضعوا أياديهم على قلوبهم خشية أن تنالهم سهام قضاة جطو.
لغة جطو، ابن الجديدة من مواليد 1945، التي تنعت بأنها كاشفة وصريحة حد “الصدمة”، والتي قلما تصدر من مسؤولي ورجالات الدولة، تعكس نبشا دقيقا لقضاة المجلس في ملفات ثقيلة، وجد جطو خفة لا تضاهى في حملها إلى البرلمان كلما دعت الحاجة إل ذلك، منها الدين العمومي، وصندوق المقاصة، وأنظمة التقاعد، وصفحة لقاحات الأدوية..
الطالبي.. “مول البوانتاج”
استطاع رشيد الطالبي العلمي، رئيس مجلس النواب، أن يمنح دينامية وانتعاشا ملموسيْن في المجلس منذ أن انتخب رئيسا للمجلس، رغم أن الطريق طويلة أمامه ليضع المؤسسة التشريعية على السكة الصحيحة بعيدا عن آفة الغياب وظاهرة الملاسنات التي تخدش بصورة المجلس.
الطالبي لم يتردد لحظة في “فضح” البرلمانيين الغائبين بدون عذر عن جلسات النواب، عبر المناداة عليهم بأسمائهم قبل بداية الجلسات، مع الاقتطاع من أجور البرلمانيين المتغيبين، فيما ذهب حزمه الذي عُرف به الرجل إلى سن نظام “البوانتاج” ونظام البطائق الذكية للحد من مشكلة الغياب.
بلمختار.. “الواد السكوتي”
يقول المثل المغربي “دوز على الواد الهرهوري لا دوز على الواد السكوتي”، كناية على الإنسان الصامت غالبا ما ينطوي على تصرفات قد لا يقترفها الشخص كثير الكلام، ذلك ربما ينطبق على وزير التربية الوطنية، رشيد بلمختار، قليل الظهور الإعلامي، والذي لا تشبع كلماته المستمع إليه.
بلمختار اختار سنة 2014 ليصدر قرارات أثارت جدلا وسط المتابعين والعاملين في قطاع التعليم، منها منع التراخيص لفائدة الأساتذة لمتابعة دراستهم الجامعية، كما فتح ملف الساعات الإضافية، ومنع الدروس الخصوصية، فضلا عن كشفه “الدونية” التي ينظر بها أساتذة الابتدائي لتلامذتهم..
بوعيدة.. النحلة الوادنونية
الوزيرة الوادنونية الشابة، مباركة بوعيدة، تستحق أن تنضم إلى قائمة الشخصيات التي بصمت بطابعها الخاص المشهد السياسي بالمغرب، ذلك أن البعض يراها بمثابة “نحلة” حقيقية في وزارة الخارجية، من فرط ديناميتها وحركيتها، بدليل مساهمتها المؤثرة في القمة العالمية لريادة الأعمال بمراكش.
بوعيدة استطاعت أن تكون وراء تسجيل بعض النقاط لفائدة الدبلوماسية المغربية التي تحولت من موقف الدفاع إلى الهجوم، حيث استدعت السفير الجزائري على خلفية ترحيل مهاجرين سوريين إلى البلاد، كما استدعت سفير فرنسا بالرباط احتجاجا على شكاية ضد مدير الـDST.
ضريف.. “الديمقراطي الجديد”
تحول الدكتور محمد ضريف، الذي طالما استأنست وسائل الإعلام المغربية والدولية بتحليلاته الأكاديمية خاصة في شؤون الحركات الإسلامية، في شتنبر من السنة الجارية إلى زعيم حزبي يرأس “الديمقراطيين الجدد”، حيث انتخب حينها بالإجماع لفي غياب أي منافس له.
ضريف امتلك الجرأة الكافية في اختيار المسار الذي يرغب به سياسيا، عبر إنشاء حزب جديد عوض التأقلم لإيجاد موطئ قدم في تنظيمات موجودة، كما تحدى المواقف العدمية” بخصوص إنشاء أول حزب بعد الدستور الجديد، داعيا إلى إرساء دولة ناظمة قوية تحمي مصالح الطبقات الفقيرة بالبلاد.
أرسلان.. وجلباب ياسين
فتح الله أرسلان، نائب الأمين العام لجماعة العدل والإحسان، استطاع أن يعيد لأكبر تنظيم إسلامي بالمغرب توهجه وإشعاعه، خاصة بعد فتور سجله مراقبون بخصوص الحضور السياسي للجماعة في السنة الأولى التي تلت وفاة زعيمها الروحي، الراحل عبد السلام ياسين.
أرسلان، الذي يبدو كأنه الوجه السياسي القوي للجماعة، فيما ترك الجانب التربوي والدعوي للشيخ محمد عبادي، قاد “الجماعة” سنة 2014 إلى الحضور بقوة في عدة محطات سياسية ومناسبات احتجاجية لقطاعات اجتماعية هامة، كما أبرز قدرة تنظيمية للجماعة تحتوي مختلف معارضي النظام.
الزايدي.. سياسي نبيل
البرلماني الراحل أحمد الزايدي بصم العمل النيابي والسياسي في المغرب بطابع النقاوة والنبل، فلم يُشاهد الرجل يوما يتنابز بالنعوت القدحية أو الشتائم السليطة، كما هو جار في البرلمان المغربي الذي وصفه ذات يوم الملك الراحل الحسن الثاني بالسيرك، حيث كان الرجل مرآة صافية للفارس النبيل في زمن الرداءة.
ولأن موته كان مفاجئا جدا بالنسبة للكثيرين، فإن الزايدي لا يمكن إلا أن يندرج ضمن قائمة الشخصيات السياسية لهذا العام، فقد أبكى موته غرقا في وادي الشراط المغاربة بكل فئاتهم، وأجمع الزعماء والسياسيون على فقدان زعيم حزبي هادئ، حتى في عز خلافاته السياسية كان نظيفا.
باها.. “قديس المصباح”
وفاته المفجعة والصادمة، ذات مساء في شهر دجنبر 2014، بسبب قطار قاتل، أخرجت المغاربة من صدمتهم الأولى بعد فيضانات الجنوب إلى صدمة أخرى بطعم مغاير، تلك وفاة حكيم حزب “المصباح”، عبد الله باها، الذي وصفه البعض بأنه “قديس” يزاول السياسة بمنطق يخالف المنطق المتداول في البلاد.
باها عمل طول حياته بصمت وفي الظل قبل أن يكون وزيرا، وحتى بعد أن شغل منصب وزير الدولة، كان حاسما في حل مشاكل الائتلاف الحكومي بنهج سياسة “سدد وقارب”، فكان موفقا فيها إلى أبعد حد، غير أن وفاته بخلاف حياته الصامتة مرت مليئة بصيحات المتألمين وتخمينات المشككين.
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)