أكد حسن أوريد بأكادير ، خلال ندوة فكرية حول ” الأمازيغية بعد الربيع الديمقراطي” ، نظمتها جريدة ” نبض المجتمع” والجامعة الدولية لأكادير ليلة 12 يوليوز 2014 ، ( أكد ) على ضرورة انتقال الحركة الأمازيغية من النضال الثقافي إلى النضال السياسي لكونها أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى بالاندثار أو ” تلعب في الدقائق الأخيرة من المقابلة” حسب تعبيره، إن هي لم تنتقل إلى قوة سياسية فاعلة في منطقة شمال أفريقيا أو أفريقيا الصغرى كما يفضل مؤلف رواية ” سيرة حمار” تسميتها.
واستهل أوريد مداخلته بالسؤال التالي: ” في الآونة الأخيرة يتردد سؤال حول طبيعة الحركة الأمازيغية ، هل هي حركة ثقافية بحث أم أنها في العمق حركة سياسية؟ ” .
وللاجابة على هذا التساؤل قدم أوريد قراءة تاريخية وقفت على الظروف التاريخية التي فرضت على الحركة الأمازيغية التركيز على البعد الثقافي في ضل هيمنة الدولة المركزية ، مذكرا أن التأشير على هذا البعد الثقافي جاء مع المحاضرة التي كان قد ألقاها مولود معمري بتيزي وزو والتي كانت الشرارة للربيع الأمازيغي، ومنذ ذلك التاريخ أخذت الحركة الأمازيغية بعدا ثقافيا ارتكز بالأساس على الاعتراف بالثقافة واللغة الأمازيغية وبحقها في الوجود ليتناسل النضال بالمغرب والجزائر وليبيا من أجل إبراز هذا البعد الذي تمت التضحية به باسم الاستقلال في ضل الدولة الوطنية، وكان يؤشر آنذلك على كل حركة تدعو إلى الاعتراف بالأمازيغية بالانفصال والفرقة وبالجهوية التي كان لها معنى قدحي وقتها، فالحركة الأمازيغية إذن نحت منحى ثقافي منذ ماسمي بالربيع الأمازيغي الذي أشعل شرارته الكاتب الكبير مولود معمري.
في العمق كانت الحركة الأمازيغية سياسية
يؤكد أوريد على أن الحركة الأمازيغية في العمق كانت حركة سياسية منذ أول اصطدام لها مع الغرب من خلال أعمال المقاومة، حيث انتبه ضباط الشؤون العامة الفرنسيون الى الطبيعة السياسية للحركة باستحضار البعد الديمقراطي في تصريف الأمازيغيين لشؤونهم ، كما أنه لايمكن أيضا أن لانعتبر بأن مقاومة عبد الكريم الخطابي ذات بعد سياسي. وأضاف أوريد أنه في خضم الاصطدام والمواجهة والمقاومة، كانت طبيعة الحركة الأمازيغية في الأساس سياسية، وحينما نالت الدول المغاربية استقلالياتها انبعث هذا البعد مرة أخرى برفض الكثير من القوى السعي إلى الالتفاف على الأمازيغية من خلال انتفاضات كانتفاضة عدي أوبيهي. وذكر بشخصية فذة لايقف التاريخ عندها هو موحى أوهيرا الذي كان من العناصر الواعية وكان ضابطا في الجيش الفرنسي يحمل وعيا سياسيا بعيدا عن تلك الصورة التي كتبت عنه في جريدة العلم بكونه إقطاعيا فيوداليا منعدم الوعي وكان الشخص الوحيد الذي نفذ عليه الإعدام في أعقاب انتفاضة عدي أوبيهي، وفي ذات الوقت انتفض الريف رافضا التنميط الذي كانت تريده الإدارة من خلال الرؤية التي كان يدعو إليها حزب سياسي معين. كما ذكر بالتجربة التي عرفتها الجزائر عقب الاستقلال والانتفاضة التي عرفتها منطقة القبايل سنة 1963 .
ويرى أوريد أنه أمام الحركة الوطنية وأمام رسوخ وشيوع خطاب الوحدة الوطنية عقب الاستقلال ، لم يكن للحركة الأمازيغية من بديل إلا أن تستمسك بالبعد الثقافي، واستمر هذا البعد الثقافي لعقود حتى الآونة الأخيرة وتوج بانجازات لايمكن إلا أن نحيي كل الذين سهروا من أي موقع كان من أجل انتزاع الاعتراف بهذه الحقوق إن هنا في المغرب أو في الأقطار الأمازيغية الأخرى، يقول أوريد.
ضرورة القراءة الصحيحة للتاريخ
وركز أوريد على ضرورة قراءة التاريخ قراءة صحيحة ،وتحدث عن مرحلة الحضارة الإسلامية مذكرا بمساهمة الأمازيغ في هذا الرصيد الحضاري وإعلاء شأنه رغم الزيغ الذي عرفه ، إلا أنه عرف لحظات مشرقة برز فيها الجانب العقلاني خاصة عندما كان هذا الرصيد امتدادا للحضارة الأمازيغية في العهد المرابطي والموحدي.
تناسل أحداث في الآونة الأخيرة تنبأ بتجاوز البعد الثقافي
استعرض أوريد أحداثا تناسلت في الآونة الأخيرة والتي تنبأ بأن الحركة الأمازيغية لايمكن أن تختزل في الجانب الثقافي، فهناك حركات احتجاجية ذات طبيعة اجتماعية ترفض الحيف والظلم منها إيمينتانوت ، سيدي إفني، كرامة، بني بوعياش، إميضر … فضلا عن الحركات التي تدعو إليها جمعيات أو منظمات من أجل الاعتراف بالحقوق الجماعية في الأراضي والمياه والمناجم أو حركات ذات بعد وطني كحركة ” تاوادا”.
وساءل المتحدث انغمار الحركة الأمازيغية في حركة 20 فبراير وحضورها الوازن ضمنها في عدة مناطق مثل انزكان ومريرت وبوزيزكارن وتازة وبني بوعياش… كما تعبأت الحركة الأمازيغية في المحيط الاقليمي من أجل مطالب سياسية واضطرت أحيانا أمام انسداد الآفاق إلى حمل السلاح للانتفاض ضد الاستبداد كما في الحالة الليبية أو الحيف الذي تعرض له الطوارق ثم هناك أحداث تتناسل خاصة في الآونة الأخيرة والتي تدافع عن جوانب من هويتها اللسانية بل أيضا المذهبية كما في تغرضايت بالجزائر أو ورغلة ، ليخلص إلى أنه سواء على المستوى القطري أو الإقليمي لايمكن اختزال الحركة الأمازيغية في البعد الثقافي . ودعا أوريد إلى الإسهام في تأطير هذا الحراك.
الجرح الوجودي
اعتبر أوريد صدمة الاستعمار بمثابة “الجرح الوجودي” ، مذكرا بأن أجدادنا قاوموا الهجمة الاستعمارية وأدوا ضريبة الدم واستعمرت بلادنا، لكن في ذات الوقت كانت هذه الصدمة هي التي خضعنا فيها للحداثة التي لم نصغها ولكن فرضت علينا قسريا ، حيث انغمرنا في الحداثة من خلال هذه العملية الاغتصابية، وأضاف أن المستعمر استعمر أرضنا واستعمل الحداثة من أجل مصالحه مثلما استعمل آخرون من أبناء جلدتنا الأدوات الحديثة والعصرية من أجل مصالحهم ، وقال ” لذلك فنحن مطالبون أن لا نلقي مثلما يقال بالفرنسية بالطفل وماء الحمام ، فنحن محتاجون لهذه الأداة التحديثية ، ربما من خلال اللغة ، من خلال منظومة التدبير التي ورثناها، من خلال هذه العلاقات ، ولكن عوض أن تكون لفائدة المعمرين، كما كانت في عهد الاستعمار، أو لفائدة جهة أو نخبة أو أقلية ، أن تكون لفائدة أبناء الشعب.
علينا الاستفادة من تجارب إنسانية قريبة
ركز أوريد على ضرورة الاستفادة من التجربة الإنسانية وتجارب قريبة عاشتها أمم مثلنا، مستحضرا، مع اختلاف السياقات طبعا، تجربة قد تكون قريبة ألا وهي التجربة التورانية التي ركزت على البعد القومي لدى الهوية التركية ضد البعد الذي كانت تقوم عليه الخلافة العثمانية، حيث كانت تدعو على غرار ما كان يجري في أوربا إلى قومية تركية تورانية ، نسبة إلى جبال توران، والتي تزامنت مع شيء أساسي وهو الدعوة إلى العلم ، مؤكدا أن كلمة العلمانية ترجمة ل scientisme وليس laïcité .
العناصر الأساسية للانتقال من الثقافي إلى السياسي
وقف أوريد على ثلاثة عناصر اعتبرها أساسية للانتقال من الثقافي إلى السياسي أولها الوعي التاريخي وثانيها صياغة تصور للعالم Une vision du monde عبر الانخراط في التجربة الإنسانية وثالثها الوحدة.
فبالنسبة للعنصر الأول ، لابد أن نعرف من نحن ونستحضر تاريخنا في شموليته ونقرأه قراءة سليمة.
وبالنسبة للعنصر الثاني لابد أن نعرف الى أين نسير وماذا نريد، أنريد أن نحنط التاريخ أم أن نصبح جزءا من التجربة الإنسانية، وقال ” نريد أن نكون حداثيين وبتعبير آخر أن نكون أبناء عصرنا ، وبذلك لايجب أن نستعمل فقط الكمبيوتر والطائرة وغيرها ، لكن أن نستورد البنية الفكرية التي كانت وراء استعمال هذه الآلات، هذه البنية هي التي حضرت في لحظة حاسمة ومفصلية في مسار التجربة الانسانية وهي فلسفة الأنوار التي لابد أن نستحضرها بما تدعو إليه من العدالة الاجتماعية وعدم إقامة التمازيات والحرية التي لم يسبق قط أن تطورت حضارة بدونها ، ولابد من قيمة الحرية التي تعني هدم الموانع…
هذا التصور للعالم لايمكن أن يكون إلا بإنسان جديد حر في ذهنه وفي جسده، انسان ربما يرتبط بالتراث اليوناني الذي زاوج بين العقل والجسد ، الجسد الذي لايعني التحلل الأخلاقي ولكن انتفاء الموانع ، ولايمكن بناء هذا الإنسان الجديد دون شيء أساسي هو الانضباط سواء في علاقة الإنسان بالعالم أو في أي تنظيم ، واعتبر أوريد أن انعدام الانضباط ضل من بين عيوبنا الكبرى.
أما العنصر الثالث فهو وحدة الأمازيغ والتي بدونها لايمكن أن نكون قوة فاعلة ، وهذه الوحدة لاتعني أن ننفي الحدود والأنظمة القائمة، ولكن أن نجد صيغ لاتفضي بالأساس إلى قلب الموازين ولكن تحقق هذا الهدف الذي لن يتم من فوق، فكل تجارب محاولات الوحدة باءت بالفشل لحد الآن لأنها لم تكن منبعثة من أسفل.
التضامن انساني لاعلاقة له بأية ايديولوجية
انتقد أوريد الانتقائية في التضامن مع المآسي الإنسانية ، مؤكدا أن حقوق الإنسان قيمة إنسانية عالمية بمقتضاها ينبغي اتخاذ المواقف من خلال مايفرضه الإنصاف والعدالة في كل حالة تنتفي فيها العدالة ويقوم فيها الظلم، وبذلك ينبغي التنديد بكل الفضائع وأن نقيم التضامن دون أية نظرة أو قراءة ايديولوجية، لنشجب قتل الفلسطينيين واختطاف وقتل أطفال اسرائيليين و الانتهاكات السافرة ضد مواطنين بتغرضايت أو أزواد أو أي مكان آخر.
رفض الإساءة إلى الرموز
“التاريخ جزء من هوية كل حضارة ، ولذلك ينبغي توقير رموزه”، يقول أوريد الذي أبدى أسفه أن يقال قول شائن مثلا في حق “ديهيا” على أنها ساحرة لكونه مساس برمز تاريخي وجب توقيره واحترامه ، كما ذكر بماوقع لطارق بن زياد والمناورات والدسائس الذنيئة التي تعرض لها من طرف موسى بن نصير ، حيث نقل كأسير وتوفي بدمشق بدون قبر.
لابد من الارتباط بتحالفات تقوم على القيم
من منظور أوريد ، لايكفي فقط أن نعتمد على العناصر المادية ، ولكن لابد من رؤية للانتقال من الجانب الثقافي إلى الجانب السياسي ، وهو مايفرض قواعد جديدة ، فإذا كنا مثلا في إطار العمل الثقافي نركز على التماهي اللغوي بغض النظر عن المرجعيات فإنه في العمل السياسي يضل المعيار المحدد هو القيم، وهو الأمر الذي سوف ينعكس على العلاقات بين الحركة الأمازيغية والأطراف الحداثية الأخرى ، ذلك أنها من المفترض أن ترتبط بتحالفات لاتقوم على اللغة ولكن على القيم. ويسترسل أوريد ” وهذا ليس أمرا جديدا ، ذلك أن المتتبع لمسار كثير من الفاعلين الأمازيغ يرى أنهم انضووا في الحركات التقدمية التي كانوا يعتبرونها قاطرات للتحديث، وكان هاجس هؤلاء حداثيا بالأساس يروم الكرامة والحرية والحداثة ، ولكنهم اصطدموا بتناقضات هذه التنظيمات وركزوا لحظات من حياتهم على الجانب الوجداني الثقافي ، إلا أنه آن الآوان أن يصبحوا هم القاطرة وليس أن يركبوا قاطرة ليست قاطرتهم لأن كل تلك التجارب باءت بالفشل بسبب افتقارها لوعي تاريخي واستنساخها في غير تربتها ، فضلا عن أن الحركة الأمازيغية لها مثقفون لهم باع وحضور عدديا ونوعيا ولها من أبنائها من يستطيعون أن يرسموا تصورات للمجتمع عكس الوضع الذي كان بعد الاستقلال، معتبرا محمد خير الدين واحدا من الحلقات المضيئة وحاملا للعبقرية الأمازيغية.
ونوه أريد بما قام به مجموعة من مثقفينا في تفكيك البنية وبالأخص العمل الذي قام به المرحوم موحا أبحري ومايقوم به أحمد عصيد وغيرهم.
نحن في مرحلة تتفتق فيها براعم فكرة جديدة
اعتبر أوريد أن المسألة ليست ترفا بل مسؤولية لكوننا نعيش ظروفا استثنائية وظهور اتجاهات من كل حذب وصوب فيها ماوصفه ب “الغث والسمين والأهوج” موضحا أنه يمكن لأبناء هذا البلد أن يرضخوا لتصورات تأتينا من الخارج ، فإما أن يصوغوا التاريخ وإما أن يفرض عليهم من الخارج .
وذكر بمقولة اللساني سالم شاكر قولة قبل عشرين سنة حين قال ” إما أن تنبعث اللغة الأمازيغية التي كانت تلعب فرصتها الأخيرة قبل عشرين سنة وإما ستندثر كليا ” ليقول أوريد ” إما أن تصبح الحركة قوة فاعلة في بلادنا وإلا سوف تندثر، ليختم بقولة للشاعر الفرنسي “دولامارتين” تقول ” كل فكرة كبيرة معركة” Toute grande idée est un combat لينتهي على نبرة تفاؤلية ” نحن في مرحلة تتفتق فيها براعم فكرة جديدة ” .
يذكر أن الندوة جمعت مختلف الحساسيات وتوفقت في أن تجلب فعاليات تنتمي إلى كل التيارات السياسية والثقافية والفكرية من أكادير ومن مدن أخرى كفاس ومكناس، تازة ، الرباط ،خنيفرة ،بني ملال ،تارودانت ،تيزنيت /،كلميم ، بويزكارن… وتم بعد الندوة توقيع الرواية الجدية لحسن أوريد ” سيرة حمار” ,
اكتب ملاحظة صغيرة عن التعليقات المنشورة على موقعك (يمكنك إخفاء هذه الملاحظة من إعدادات التعليقات)