مساكني غيزلان
على إيقاع الطبول والزغاريد، تحولت مدينة طانطان، مساء الخميس 15 ماي 2025، إلى لوحة فنية حية، نابضة بألوان التراث الصحراوي الأصيل، وذلك في إطار فعاليات الدورة الثامنة عشرة، لموسم طانطان، الحدث الثقافي السنوي، الذي يحمل هذا العام شعارًا عميق الدلالة: “موسم طانطان… شاهد حي على عالمية ثقافة الرحل”.
الكرنفال الاستعراضي البهيج، الذي حظي بحضور عامل إقليم طانطان، السيد عبد الله شاطر، ورئيس مؤسسة “ألموكار” السيد محمد فاضل بنيعيش، لم يكن مجرد عرض تقليدي، بل رحلة بصرية ساحرة عبر الزمن والجغرافيا. فقد تجسدت أمام أعين الحاضرين، في مشاهد آسرة، مظاهر حياة البدو بكل تفاصيلها الغنية، من الفلكلور الشعبي، إلى الأزياء التقليدية، مرورًا بطقوس الأعراس الصحراوية العريقة، وخيامهم الشامخة، التي تحكي قصصًا من الماضي.
موكب الكرنفال الإبداعي، إنطلق من أمام مقر جماعة طانطان، ليشق طريقه بانسيابية عبر شارع الحسن الثاني النابض بالحياة، وصولًا إلى ساحة بئر إنزران، التي اكتظت بالجماهير المتعطشة للاحتفاء بتراثها. وقد شكل هذا الحدث، منصة فريدة لمختلف الفرق، والمجموعات الغنائية التراثية، القادمة من ربوع المملكة، حيث استعرضت أروع إبداعاتها، وأبرزت التنوع الثري للموروث الثقافي المغربي، وهويته المتجذرة.
اللوحات الفنية الاستعراضية، كانت بمثابة قصائد بصرية، افتتحت بموكب مهيب للجمال، رمزًا أصيلًا لثقافة الرحل، وارتباطهم الوثيق بالطبيعة. وتوالت المشاهد لتكشف عن أناقة الزي التقليدي المحلي، ودفء خيام البدو التي احتضنت طقوس العرس الصحراوي، بكل تفاصيله الحميمة، ولم تغب الحرف التقليدية، التي تعكس إبداع ومهارة أبناء المنطقة.
ولم يقتصر المشهد على ذلك، بل امتد ليشمل عروضًا مدهشة لسربات الفروسية التقليدية، التي ألهبت الحماس في قلوب الزوار، ومجموعة من الرياضات، والألعاب الشعبية التي تجسد روح المنافسة، والتراث البدوي الأصيل، كما صدحت الساحة بأنغام رقصات شعبية، ولوحات فنية لفرق تراثية عريقة، حاملة معها عبق التاريخ، وجمالية الأداء.
وفي لفتة ثقافية تجسد عمق الروابط الأخوية، وتأكيداً على عالمية الإبداع، وتلاقي الحضارات، أضفت فرقة تراثية قادمة من دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، بصمة فنية مميزة، على فعاليات موسم طانطان.
وقدّمت الفرقة الإماراتية المشاركة، في هذا العرس الثقافي، لوحة فنية رائعة، استعرضت خلالها مقتطفات بديعة من الفنون الشعبية الإماراتية الأصيلة، ونفحات من موروثها الفني العريق.
تألقت العروض الإماراتية، بألوانها الزاهية وإيقاعاتها الحماسية، لتنقل إلى جمهور طانطان، عبق التراث الإماراتي الغني، وتسلط الضوء، على أوجه التشابه والتكامل، بين الثقافات العربية.
هذه المشاركة النوعية، عكست بحق عالمية الثقافة، وقدرتها على تجاوز الحدود الجغرافية، مبرزتا على أن الفنون، هي لغة إنسانية مشتركة، تسهم في تعزيز التفاهم والحوار، بين الشعوب والحضارات. وقد استقبل زوار الكرنفال، هذه اللمسة الإماراتية، بحفاوة وتقدير كبيرين، معبرين عن إعجابهم بما قدمته الفرقة، من ألوان فنية أصيلة.
منظموا الكرنفال، لم يغفلوا أهمية مختلف القطاعات الحيوية في المنطقة، حيث شملت فقراته استعراضًا رمزيًا لقطاعات التعليم، والتعاون الوطني، والشبيبة والرياضة، والتكوين المهني، في إشارة إلى مساهمتهم الفاعلة في نسيج المجتمع الطانطاني.
وفي تصريح خصت به الصحافة، ألقت السيدة يسرى بدوي، المشرفة على الكرنفال الاستعراضي، الضوء على الرؤية التي تقف خلف النسخة الحالية، من هذا الحدث البارز. وأوصحت أن دورة هذا العام، تحمل في طياتها تركيزاً استثنائياً، على إبراز ثقافة الرحل، بكل أبعادها وتجلياتها.
وشددت بدوي، على أن الكرنفال، يقدم لوحات فنية حية وشاملة، تستعرض مختلف جوانب الحياة في الصحراء، وذلك بفضل المشاركة الفاعلة والواسعة النطاق، لمختلف القطاعات الحيوية، في الإقليم.
وأشارت أن الهدف الأسمى، من هذه التظاهرة، هو تمكين أكبر شريحة من سكان طانطان، من الانخراط والتفاعل مع هذا الاحتفال المميز، الذي يمثل إحياءا لذاكرة المدينة، وتراثها العريق، وجسراً يربط الأجيال بتاريخها وهويتها.
وفي سياق متصل، كشفت المشرفة على الكرنفال، عن محورية استحضار صور حية، من حياة الرحل القدامى في فعاليات الكرنفال، مع إبراز الأهمية القصوى للحكي، والشعر، والموسيقى، وفن إعداد الشاي، كعناصر أساسية في ثقافتهم الأصيلة. ولم تغفل الإشارة إلى التحديات والصعاب التي واجهها الأجداد، في بيئتهم الصحراوية، معلنة أن الكرنفال، إختتم بلوحة فنية، تبعث برسالة قوية، مفادها أن الروح البدوية الأصيلة، ستظل خالدة ومتجذرة.
وفي الختام، أبرزت السيدة يسرى بدوي، في تصريحها أن الكرنفال يسعى أيضاً إلى مشاركة الفرحة والبهجة مع كافة سكان المنطقة، وتحويل هذه المناسبة، إلى عرس جماعي، يعزز الروابط الاجتماعية، والانتماء المشترك.
هكذا، عاشت طانطان ليلة استثنائية، امتزجت فيها أصالة الماضي، ببهجة الحاضر، مؤكدة على أن موسمها، ليس مجرد احتفال عابر، بل هو شهادة حية، على عراقة ثقافة الرحل وثرائها، وقيمتها العالمية، التي تستحق الاحتفاء والتخليد.