
مساكني غيزلان
شهد مسرح المنار بمدينة كلميم، مساء الثلاثاء 27 مايو 2025،تألقا لافتا للمسرح المحترف بالمدرسة العليا للتكنولوجيا، التابع لجامعة ابن زهر، بجهة كلميم وادنون، في تقديم المسرحية المثيرة “أشياء تافهة”، بحضور السيد رشيد مركزي، مدير المدرسة العليا للتكنولوجيا، والسيد الكاتب العام للمدرسة، والسيد عمر بولاه، مدير مؤسسة التفتح الفني بكلميم، وفنانين ومخرجين مسرحيين، وفعاليات المجتمع المدني والحقوقي بالمدينة، بالإضافة إلى الطلبة.
هذا العرض، المقتبس عن قصة حقيقية، للكاتبة الأمريكية سوزان كراسبيل، لم يكن مجرد أمسية مسرحية عادية، بل رحلة عميقة، في تعقيدات النفس البشرية، وتداخل العلاقات، ممزوجًا بجمالية الأداء، وعمق القصة.
تأخذنا “أشياء تافهة”، إلى قلب ريف أمريكا في القرن العشرين، حيث تتكشف تفاصيل جريمة قتل غامضة، ويجد الجمهور نفسه أمام فريق يسعى للكشف عن دوافع الجريمة، وأسبابها، لكن سرعان ما تتضح أن القضية أعمق بكثير، من مجرد حدث جنائي. فالمسرحية تغوص في شبكة معقدة، من العلاقات بين الزوجين، حيث تتداخل علاقة طويلة الأمد، مع مصالح شخصية متضاربة، وصراعات نفسية دفينة.
“أشياء تافهة”، تتميز بقدرتها على طرح أسئلة أكثر، مما تقدم إجابات، تاركة المتفرج في حيرة، وتأمل. من المسؤول عن تدهور العلاقة الزوجية، التي أدت إلى هذه النهاية المأساوية؟ ولماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ هذه التساؤلات، تظل عالقة في ذهن المشاهد، محفزة إياه لمحاولة كشف الحقيقة بنفسه، مما يجعل التجربة المسرحية تفاعلية، ومثرية للغاية.
وفي تصريح خاص لـ”ماروك نيوز”، أكد المخرج السيفر ليمام، أن مسرحية ‘أشياء تافهة’، كانت بالنسبة لنا رحلة استكشاف عميقة، لم نقدم إجابات جاهزة، بل وضعنا الجمهور أمام مرآة، تعكس تعقيدات النفس البشرية، وتشابك العلاقات. وأن الهدف الأساسي من العمل، كان إثارة التساؤلات، دفع المتفرج للتفكير، والبحث عن حقيقته الخاصة، في هذه الدراما الإنسانية المعقدة.
وأضاف السيفر ليمام، مشددًا على أهمية المسرح الجامعي: إن هذا العمل هو شهادة على قوة المسرح الجامعي، في إطلاق العنان للإبداع، وطرح القضايا الكبرى، التي تمسنا جميعًا.
كما أشاد بالأداء المبدع والملهم، للطلاب السبعة، رغم أنها التجربة الأولى لهم، على خشبة المسرح، لكنها تؤسس لمرحلة جديدة، من الإبداع والعطاء. فالمسرح الجامعي، كما نعرف، هو منبع المسرح الأصيل؛ لأنه مساحة حرة للبحث، وطرح الأسئلة، غير مقيد بالضروريات المادية، أو التواريخ المحددة. ويتمتع بحرية الإبداع المطلقة، ويرتبط بقضايا كونية، تتسع لتشمل العالم، والإنسان، وهمومه الكبرى.
وأنهى تصريحه، بأن هذا العمل، يأتي في سياق الحركية اليومية، للعمل المسرحي، داخل الجامعة المغربية، ونتمنى له كل النجاح والازدهار. كما شكر كل من ساهم من قريب أو بعيد في إنجاح هذا العمل المسرحي.
في الختام، يظل عرض “أشياء تافهة” محطة فنية بارزة، لا لجماليات الأداء، وروعة الإخراج فحسب، بل لقدرته الفائقة، على تحريك المياه الراكدة، في أعماق النفس البشرية. لقد كانت هذه المسرحية، دعوة مفتوحة للتأمل في تعقيدات العلاقات الإنسانية، ونتائج الصراعات الخفية، والتساؤلات التي لا تعرف نهاية.
إنها دليل ساطع على أن المسرح، وخصوصًا المسرح الجامعي، يظل منارة للإبداع، والفكر الحر، قادرًا على تجاوز حدود الزمان والمكان، ليطرح قضايا كونية، تلامس قلوب وعقول الجمهور، وتدفعهم نحو البحث الدائم، عن الحقيقة.