
مساكني غيزلان
مع التزايد الهائل في كمية المعلومات المتداولة، والتي تتداخل فيها الحقائق مع الأكاذيب في فضاء رقمي لا حدود له، نظمت المديرية الجهوية للاتصال بجهة كلميم واد نون، ورشة تكوينية يوم السبت، 27 شتنبر 2025، تحت عنوان “تقنيات مكافحة الأخبار الزائفة”، بقاعة الإجتماعات للغرفة الحهوية للفلاحة بكلميم .
الورشة حضرها المدير الجهوي للاتصال، السيد مصطفى جبري، والسيد الدكتور عبد الصمد مطيع، الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال، ومنسق ماستر الابتكار، وإنتاج المضامين السمعية البصرية، والرقمية، أطر المديرية الجهوية للتواصل بكلميم، بالإضافة إلى نخبة من الإعلاميين، والصحفيين، والمهتمين بالشأن العام، بهدف تسليحهم بأدوات الوعي والتحقق، في معركة المعلومات المضللة.
في كلمته الافتتاحية، لم يخف المدير الجهوي للاتصال، السيد مصطفى جبري، حجم التحدي الذي يواجه المجتمعات المعاصرة. بكلمات صريحة ومباشرة، وصف الأخبار الزائفة، بأنها تحد عالمي يهدد الثقة والاستقرار المجتمعي.
وأكد أن المديرية، إيمانا منها بدورها المحوري في تعزيز إعلام مسؤول، تسعى من خلال هذه الورشة، إلى تزويد المشاركين بالآليات، والأدوات العملية اللازمة لتمييز الحقائق، وفحص مصداقية المصادر، وكشف التلاعب الرقمي.
ودعا السيد جبري، إلى تضافر الجهود، وبناء جبهة صلبة لمكافحة هذه الآفة، مشددا على أن المسؤولية في هذا المعترك المعلوماتي جماعية.
أطر هذه الورشة العلمية، الدكتور عبد الصمد مطيع، الباحث في المعهد العالي للإعلام والاتصال، ومنسق ماستر الابتكار، وإنتاج المضامين السمعية البصرية، والرقمية. في كلمته، قدم الدكتور مطيع تشخيصا دقيقا للواقع الرقمي، موضحا أننا نعيش في زمن أصبحت فيه المعلومة عملة نادرة، والتحقق من صحتها ضرورة قصوى.
وأضاف أن الأزمة ليست فقط معلوماتية، بل هي أزمة ثقة، تؤدي إلى الاستقطاب المجتمعي.
ولم يكتف الدكتور مطيع، بتشخيص المشكلة، بل وضع خارطة طريق للمواجهة، موضحا أن مهمة الورشة، تتجاوز سرد الحقائق إلى تمكين المشاركين، من التفكير النقدي والمنهجي، في التعامل مع المعلومات.
وسلط الضوء، على ضرورة استكشاف أحدث الأدوات، والتقنيات الرقمية القادرة، على كشف التلاعب، مشددا على المسؤولية الجسيمة للفاعلين الإعلاميين، في تعزيز قيم النزاهة والدقة وتطوير المهارات، لمواجهة تحديات مثل الذكاء الاصطناعي، والتزييف العميق (Deepfakes).
انطلقت الورشة، من الجانب المعرفي والنفسي، حيث ركز المحور الأول، على “التفكير النقدي: الدرع الأول ضد التضليل”. لم يقتصر هذا المحور على تعريف الأخبار الزائفة، بل تعمق في تحليل أبعادها التاريخية، والنفسية، كاشفا عن العوامل التي تجعل الأفراد أكثر عرضة لتصديق المعلومات المضللة.
كما قدم للمشاركين منهجية متكاملة لتقييم المصادر والمحتوى الرقمي، بهدف تمكينهم من تطوير حس نقدي متين يكون خط الدفاع الأول ضد أي محتوى مضلل.
أما المحور الثاني، “الأدوات الرقمية: عيون ترى ما خفي”، فكان بمثابة نافذة على عالم التقنيات الحديثة المستخدمة في الكشف عن الزيف. استعرض المحور أحدث الأدوات والأساليب للكشف عن التلاعب في الصور والفيديوهات، مثل البحث العكسي عن الصور، وتحليل البيانات الوصفية (metadata). وتطرق كذلك إلى تقنيات رصد الحسابات المزيفة، ودور منظمات “التحقق من الحقائق” (Fact-Checking) التي تعمل كخط دفاع متخصص.
تناول المحور الثالث “المسؤولية الأخلاقية: بوصلة الممارسة الرقمية” الأبعاد الأخلاقية والقانونية لانتشار الأخبار الزائفة، مؤكداً أن مجرد إعادة نشر معلومات مضللة قد يترتب عليه عواقب وخيمة. وكان الهدف هو غرس حس المسؤولية في كل مشارك ليكون حارساً للقيم الأخلاقية في الفضاء الرقمي.
واختتمت الورشة بمحور عملي تحت عنوان “منهجية المواجهة: بناء حصن المناعة الرقمية”، ركز على تعزيز قدرة المشاركين على تحليل الزيف وبناء شبكة واعية تسهم بفاعلية في التصدي لهذه الظاهرة. ولم يقتصر الأمر على الجهد الفردي، بل امتد إلى آليات العمل الجماعي وتشجيع مبادرات محلية تهدف إلى رفع وعي الجمهور.
لقد شكلت المحاور الأربعة لورشة “مكافحة الأخبار الزائفة” نموذجا متكاملا للتدريب، يجمع بين البعد النظري والتطبيقي، وبين المسؤولية الفردية والعمل الجماعي. إنها استراتيجية شاملة تسعى إلى بناء مجتمع رقمي أكثر وعياً وحصانة، قادر على التمييز بين الحقيقة والتزييف.
أشاد المشاركون بالمستوى العالي للمادة العلمية المقدمةK والنقاشات التفاعلية. وفي كلمته الختامية، أكد السيد جبري أن نجاح الورشة يكمن في مدى انخراط المشاركين وتفاعلهم الإيجابي مع مخرجاتها.
لقد كانت ورشة “تقنيات مكافحة الأخبار الزائفة” بمثابة دعوة صريحة لإيقاظ الوعي، وتعزيز الحس النقدي، وتفعيل دور الفاعلين الإعلاميين في بناء مجتمعات رقمية أكثر حصانة ضد التضليل.
إنها خطوة مهمة على طريق بناء جيل قادر على فحص المعلومة وتفنيد الزيف، وإرساء دعائم الثقة في عصر يتشابك فيه الواقع مع الافتراضي، لضمان مستقبل إعلامي أكثر شفافية ومسؤولية.