
مساكني غيزلان
بالموازة مع فعاليات مهرجان أسبوع الجمل، المنظم تحت الرعاية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، واحتفاءا بذكرى عيد العرش المجيد، احتضن مقر الغرفة الفلاحية بكلميم صباح يوم الخميس 24 يوليو 2025، ندوة علمية متميزة، تحت عنوان: “الموروث الثقافي بواد نون وامتداداته الإفريقية”.
الندوة، التي نظمتها جمعية مهرجان كلميم للتنمية والتواصل، بشراكة مع جمعية أستاذات وأساتذة مادة الاجتماعيات بكلميم، استقطبت نخبة من الأساتذة الجامعيين، والدكاترة، والباحثين، والمهتمين بالمجال الثقافي والتاريخي، من داخل المغرب، ومن عدد من دول إفريقيا جنوب الصحراء، لفتح نقاش أكاديمي، ومعرفي عميق حول الدور المحوري للموروث الثقافي لجهة واد نون، في ربط شمال إفريقيا بعمقها الإفريقي.
وقد شكلت هذه المبادرة فرصة فريدة لتسليط الضوء على عناصر الذاكرة الجماعية، والتنوع الثقافي الغني، الذي تزخر به المنطقة، مؤكدة على أبعادها القارية.
شهدت الندوة تقديم خمسة محاور رئيسية، قدمها متخصصون مرموقون، تعمقت كل منها في جانب فريد من جوانب الموروث الثقافي لواد نون، وامتداداته الأفريقية، مقدمة رؤى قيمة للنقاش والتحليل.
الدكتور محمد بوزنكاد، الأستاذ الباحث بشعبة التاريخ بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة ابن زهر بأكادير. قدم منها رؤية تاريخية عميقة، مؤكدا على الدور المحوري لواد نون، كبوابة حضارية للمغرب نحو صحرائه، وعمقه الإفريقي.و استعرضت المداخلة الكيفية، التي أثرت بها التفاعلات البشرية، والتجارية، والثقافية، عبر العصور في صياغة الهوية المغربية، مقدمة دلائل تاريخية وجغرافية على أن الوجود الإفريقي ليس مجرد إضافة، بل هو مكون أساسي يتجلى في بنية المجتمع والثقافة المغربية، من عادات وتقاليد وفنون.
وفي هذا الصدد، أشار الدكتور بوزنكاد، إن واد نون ليس مجرد بوابة جغرافية، بل هو مرآة تاريخية، تعكس بوضوح أن المكون الإفريقي، يمثل نسيجا أصيلاً لا يتجزأ من الهوية المغربية العريقة، مضفيا عليها ثرءا وتنوعا فريدين.
الأستاذة والباحثة في الثقافة الحسانية، الدكتورة عزة ببروك، حيث استعرضت خصوصية الثقافة الحسانية كنموذج حي للتلاحم الثقافي، بين واد نون وعمقه الإفريقي. وبحثت الدكتورة ببروك في الأسباب العميقة لهذا التلاحم، والتي تشمل طرق التجارة القديمة، والروابط الروحية والدينية عبر الطرق الصوفية، بالإضافة إلى الهجرات السكانية المتبادلة.
كما سلطت الدكتورة بيروك الضوء، على التجليات الملموسة لهذا التلاحم في الثقافة الحسانية، من خلال اللغة والموسيقى والفنون، التي تجمع بانسجام بين عناصر مغربية، وصحراوية، وإفريقية.
وأبرزت الدكتورة ببروك، كيف أن التاريخ المشترك، والتفاعلات الدائمة، قد نسجت خيوطا متينة من التلاحم الثقافي، مع عمقنا الإفريقي، والذي يتجلى في كل تفاصيل حياتنا، من اللغة إلى الإيقاع.
الدكتور الحسن نيكيدار، الأستاذ المتخصص في التاريخ والجغرافيا، والباحث في التاريخ الاجتماعي، تجاوزت مداخلته الجانب الأكاديمي البحت، لتركز على آفاق التنمية، متسائلا كيف يمكن للموروث الثقافي المشترك بين المغرب وإفريقيا، والذي تتجسد فيه واد نون، أن يصبح رافعة للتنمية الاقتصادية.
وتناول الدكتور نيكيدار، مفاهيم الاقتصاد الثقافي والصناعات الإبداعية، من منظور إفريقي، مقدما أمثلة لمشاريع ومبادرات، تستفيد من التراث المشترك، لخلق فرص عمل، وتوليد الدخل، مع التأكيد على أهمية الاستثمار في الموارد البشرية، والثقافية للمنطقة.
وأوضح الدكتور نيكيدار، إن الثراء المشترك بين الموروث الثقافي المغربي، والإفريقي، ليس مجرد فخر تاريخي، بل هو كنز اقتصادي غير مستغل، يمكن توظيفه بذكاء، لدفع عجلة التنمية المستدامة، وخلق قيمة مضافة لمجتمعاتنا.
الدكتور إبراهيم أوبلا، الأستاذ الباحث، والمؤلف في الثقافة الأمازيغية. قدم دراسة حالة متعمقة لـ “أحواش تسكاوين”، وهو شكل فني أمازيغي عريق، كنموذج يجسد بوضوح، عملية التمازج الثقافي، في منطقة باني كلميم.
وابرز أوبلا، كيف تتفاعل وتتداخل عناصر أمازيغية، صحراوية، وإفريقية، في هذا الفن، من حيث الإيقاع والكلمات، والحركات، واللباس، مبينا أن أحواش تسكاوين ليس مجرد رقص، أو غناء، بل هو تعبير حي عن الهوية المتعددة، والمنفتحة للمنطقة.
وأكد الدكتور أوبيلا، أحواش تسكاوي،ن هو أكثر من مجرد فن؛ إنه وثيقة حية للتاريخ، يروي لنا كيف يمكن لعناصر ثقافية متنوعة، أن تتلاقح وتندمج بانسجام، لتنتج إبداعا فريدا، يعكس عمق التمازج، في منطقة باني كلميم.
مشاركة مزدوجة لكل من الدكتور مبارك أوراغ، أستاذ التعليم العالي بجامعة ابن زهر، والدكتور عبد الحميد جمهور، أستاذ باحث متخصص في التنمية جنوب جنوب. قدم من خلالها الخبيران، رؤية استراتيجية حول كيفية تحويل الموروث الثقافي الغني، لجهة كلميم واد نون، إلى رافعة للتنمية الجهوية.
واستعرضت مداخلتهما إطارا نظريا، وعمليا، لمفهوم “الاقتصاد الثقافي” وتطبيقاته، مع التركيز على خصوصيات المنطقة، وإمكاناتها الاقتصادية الكامنة في التراث الثقافي، بهدف خلق فرص عمل، وتعزيز الجذب السياحي، وتحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين، ضمن مبادئ التنمية المستدامة، والتنمية جنوب-جنوب.
وختاما، أشار الدكتوران أوراغ وجمهور،إ ن استثمارنا في الموروث الثقافي لجهة كلميم واد نون، ليس مجرد صون لهويتنا، بل هو استثمار استراتيجي، سيقود إلى تنمية جهوية مستدامة، محولا كنوزنا الثقافية، إلى محركات للازدهار الاقتصادي والاجتماعي.
وفي تصريح خاص لموقع ماروك نيوز، أكد رئيس جمعية أستاذات وأساتذة مادة الاجتماعيات بكلميم، السيد مبارك برد الليل، على أهمية تنظيم هذه الندوة العلمية. حيث تأتي هذه المبادرة، في صميم رسالتنا، لتعزيز الوعي بالموروث الثقافي الغني لجهتنا، والعمل على إبراز امتداداته التاريخية، والحضارية العميقة، مع القارة الإفريقية. و أوصح، نحن نؤمن بأن فهم هذا الموروث المشترك، هو مفتاح لتعزيز هويتنا، وتعميق روابطنا مع عمقنا الإفريقي.
تندرج هذه المبادرة، ضمن الدينامية الثقافية المتواصلة، التي تشهدها جهة كلميم واد نون، خلال أسبوع الجمل، والتي تهدف إلى إبراز الموروث الثقافي المحلي، وتعزيز الإشعاع الحضاري للمنطقة، على المستويين الوطني والقاري، مؤكدة على دور الثقافة، كجسر للتواصل، ورافعة للتنمية الشاملة.