
مساكني غيزلان
في إطار فعاليات الدورة الثالثة عشرة للمهرجان الدولي للسينما والصحراء، احتضنت مدينة أسا، يوم الإثنين 12 ماي 2025، ندوة فكرية هامة، استأثرت باهتمام النخب السينمائية، والفكرية، تحت عنوان “السينما والقضايا الإنسانية”. وشكل اللقاء منصة حيوية لتبادل الآراء، وتعميق النقاش، حول الدور المحوري الذي يلعبه الفن السابع، في تسليط الضوء على أبرز التحديات، والقضايا التي تواجه الإنسانية.
وقد شهدت الندوة حضورًا نوعيًا، جمع ثلة من صناع السينما، ونقاد مرموقين، وباحثين متخصصين، ومهتمين بالقضايا السينمائية والإنسانية، مما أضفى على الجلسات، نقاشات مستفيضة وعميقة.
افتتحت فعاليات الندوة، بكلمة لمنسقها، الذي أكد على القوة الناعمة للسينما، وقدرتها الفريدة على اختراق الحواجز، وتجاوز الحدود لتناول القضايا الإنسانية الملحة، وشدد على أن الشاشة الفضية، تتجاوز كونها وسيلة للترفيه، لتصبح منبرًا قويًا لإسماع أصوات المهمشين، وكشف الحقائق المؤلمة، وتحفيز الجمهور على التفكير النقدي، والتفاعل مع قضايا مجتمعاتهم، والعالم.
وقد قدم الأستاذ عبد النبي داشين، كاتب وناقد سينمائي،مداخلة اتسمت بعمق التأمل والرؤية، استعرض خلالها العلاقة الجوهرية، التي تربط بين السينما والقضايا، التي تمس صميم الوجود الإنساني. وتميزت المداخلات بتنوع زوايا النظر، حيث سعت إلى ربط التجارب السينمائية، بالبعد الإنساني، الأوسع والأشمل.
وفي سياق تحليله، خصص الأستاذ عبد النبي، حيزًا هامًا للقضية الفلسطينية، واصفًا إياها بـالجرح العربي المفصلي، الذي تجاوز الإطار المحلي، والإقليمي، ليصبح قضية إنسانية بامتياز، لما تحمله من أبعاد تاريخية مؤلمة، وتجسيد لمعاني الظلم، عبر العصور.
كما ركز على الأهمية القصوى للمعالجة الفنية، كأكبر رد على كل قهر وتسلط، مشيرًا إلى أن المقاومة المسلحة، على أهميتها في استعادة الحقوق، لا يمكن أن تغني عن بناء الإنسان، على المستويين التاريخي، والحضاري. ودعا إلى ضرورة الالتفات إلى زاوية الإبداع، لما تملكه من قدرة على تنشئة جيل سوي، يعتز بإنسانيته، معتبرًا أن هذا البناء الإنساني، هو الضمانة الحقيقية لحل الإشكالات الراهنة.
وفي تأملاته حول الآثار المدمرة للحروب، أكد الأستاذ عبد النبي أن أفضع ما فيها ليس تدمير العمران، بل تدمير الإنسان، ومن هذا المنطلق، دعا إلى تبني تصور جديد، يرتكز على معالجة فنية، تمكننا من تأمل الجميل قبل القبيح، وتعلم كيفية التمييز والاستمتاع بالجمال، كوسيلة لمقاومة كل أشكال القبح، المادي والمعنوي.
واختتم الأستاذ عبد النبي مداخلته، بالتأكيد على ضرورة عدم اختزال القضية الفلسطينية، في إطارها النمطي، بل العمل على جعل الإبداع عامة، والسينما خاصة، وسيلة للتمنيع، وخلق نوع من الحصانة الوجدانية، والروحية حتى لا يموت الإنسان في الإنسان، معتبرًا أن الرهان الحقيقي، هو الحفاظ على الإنسان.
من جهتها، ألقت المخرجة والمنتجة عايدة بويا، مداخلة ثرية، سلطت الضوء فيها على الدور المتنامي للمرأة، في صناعة السينما، وتحديدًا في تناولها للقضايا الإنسانية الملحة. واستهلت كلمتها بالإشارة إلى التحول العميق، الذي تشهده الساحة السينمائية، فيما يتعلق بتمثيل المرأة، فبعد أن كانت غالبًا مجرد ثيمة بصرية، أو موضوعًا للقصص، أصبحت اليوم قوة فاعلة حقيقية تقف خلف الكاميرا، كمنتجة، ومخرجة، وكاتبة سيناريو.
وأكدت بويا، على أن هذا التحول، يمنح المرأة القدرة على ترجمة آلامها، وقضاياها الإنسانية الخاصة، إلى صور جمالية، وإبداعية مؤثرة. فمن خلال عدستها ورؤيتها الفنية، تستطيع المرأة صياغة خطاب سينمائي متكامل، يجمع بين الصوت والصورة، لإيصال رسائل إنسانية مؤثرة، إلى الجمهور.
وشددت المخرجة والمنتجة، على أن وجود المرأة في مواقع صنع القرار السينمائي، يثري النقاش حول القضايا الإنسانية، ويقدم زوايا نظر جديدة، ومختلفة، غالبًا ما كانت مغيبة. فالمرأة، من خلال تجربتها ووعيها، قادرة على تلمس جوانب إنسانية دقيقة، وتقديمها بصدق، وعمق على الشاشة.
وفي ختام مداخلتها، دعت بويا إلى الاعتراف بالدور المحوري، الذي تلعبه المرأة اليوم، في إثراء السينما الإنسانية، وتحويلها من مجرد متلقية، أو موضوع، إلى صانعة ومؤثرة، قادرة على إحداث تغيير حقيقي، من خلال فنها.
وقد تنوعت المداخلات الأخرى، لتشمل استعراضًا لأمثلة سينمائية مؤثرة، نجحت في تحريك الرأي العام، وتغيير التصورات، حول قضايا معينة، مؤكدة على أن قوة السينما، تكمن في قدرتها على رواية القصص، التي تلامس قلوب، وعقول المشاهدين، وتثير لديهم التساؤلات، وتشجعهم على إعادة التفكير، في معتقداتهم ،ومواقفهم تجاه قضايا معينة.
وفي ختام الندوة، شدد المشاركون على أهمية دعم الأفلام التي تتناول القضايا الإنسانية، وتشجيع إنتاجها، وتوزيعها، على أوسع نطاق، لما لها من قدرة على بناء جسور من التفاهم، والتعاطف بين الثقافات، والشعوب المختلفة. كما تم التأكيد على ضرورة إشراك الشباب، في هذه النقاشات، باعتبارهم قادة المستقبل، وصناع التغيير، وتعزيز التعاون بين السينمائيين، وتطوير آليات لدعم الأفلام ،ذات البعد الإنساني، وتشجيع الحوار، والتفاعل بين صناع الأفلام، والجمهور حول هذه القضايا المصيرية.
لقد كانت ندوة “السينما والقضايا الإنسانية”، محطة بارزة في فعاليات المهرجان الدولي للسينما والصحراء، التزام المهرجان، بفتح آفاق للنقاش الجاد، حول القضايا، التي تهم الإنسانية جمعاء، وتسليط الضوء على القوة الكامنة، في السينما، كأداة للتغيير الإيجابي، وبناء عالم أكثر إنسانية.
شكرا على تقريبنا من الحدث بنقل الخبر من قلب الحدث بكل التفاصيل .