
عبد المجيد رشيدي
في مدينة الصويرة، حيث تختلط أصوات الأمواج بنفحات الرياح وأصداء العود والريشة، تبرز تجربة فنية عصامية بصوت أنثوي جريء وحس إنساني عميق. ثورية الحساني، فنانة تشكيلية وجدت في الفن ملاذًا ومساحة للبوح، وسط عالم يعج بالضوضاء والتكرار، تجربتها في الرسم ليست مجرد ممارسة فنية، بل هي فعل وجود وامتداد وجداني يعكس علاقة حميمية بين الذات واللون، بين المعاناة والتعبير، بين الحياة كما هي والحياة كما ينبغي أن تُعاش.
لم تدخل ثورية الحساني عالم الفن من بوابة الأكاديميات أو ورش التكوين التقليدي، بل دخلته كما يدخل الحالمون عوالمهم الخاصة: بالانصات العميق للداخل، وبالبحث عن المعنى في التفاصيل اليومية، هي فنانة عصامية بكل ما تحمله الكلمة من معان، لا تستند إلى شهادات أو ألقاب، بل إلى تجربة شخصية صادقة، وإلى رغبة جامحة في التعبير والتغيير من خلال اللوحة.
ورغم قصر عمر تجربتها، فإن الحساني نجحت في فرض اسمها على الساحة التشكيلية المحلية بمدينة الصويرة، ليس من خلال ضجيج الأضواء، بل من خلال عمق ما تقدمه وصدق ما تعبر عنه.
من بين جميع الأشكال التعبيرية، اختارت ثورية الحساني التجريد، ذلك الأسلوب الذي لا يتقيد بالحدود ولا ينقل الواقع كما هو، بل يعيد تشكيله وفق رؤية داخلية خالصة، في لوحاتها، لا تسعى إلى إعادة إنتاج المشهد، بل إلى تقويضه، تفكيكه، وإعادة تركيبه برؤية شخصية.
ألوانها مكثفة، إيقاعية أحيانا، هادئة أحيانا أخرى، لكنها دوما صادقة، تعكس حالاتها النفسية ومواقفها من الواقع، بل وتُترجم لحظات الحياة التي قد تمر دون أن ينتبه لها أحد، لكنها عند الحساني تُوثق بلمسة صادقة وجرأة تشكيلية واضحة.
ما يُحسب لتجربة الحساني أيضًا هو انفتاحها على تجارب الآخرين، لم تنعزل داخل مرسمها، بل شاركت في عدد من المعارض الجماعية، جنبًا إلى جنب مع فنانين كبار، ما أتاح لها فرصة نادرة للاحتكاك والتعلم، هؤلاء الفنانون لم يبخلوا عليها بالملاحظات والتوجيهات، وكانوا جزءا من تطورها الفني.
هذه المشاركات لم تكن فقط مناسبة للعرض، بل كانت أيضًا مختبرا للنضج والتطوير، مكنتها من صقل أسلوبها، والانخراط في دينامية فنية حقيقية تنبض بها مدينة الصويرة، المدينة التي تعج بالمواهب العصامية ولكنها لا تحتفي بالجميع بنفس القدر.

الصويرة، مدينة الفن والأرواح الحرة، لطالما احتضنت فنانين عصاميين من مختلف المشارب، لكن ما يميز ثورية الحساني هو قدرتها على التميز وسط هذا الزخم، لا تحاول أن تقلد أحدًا، ولا تنتمي إلى مدرسة فنية تقليدية، بل تسير بخطى ثابتة نحو خلق أسلوبها الخاص، الذي يمزج بين الرؤية الجمالية والحس الإنساني.
لوحاتها ليست فقط للعرض، بل دعوة إلى التأمل والتفكير، تضع المتلقي أمام مرآة الذات، وتجعله يتساءل عن المعنى، عن الشعور، عن تلك التفاصيل التي لا تُرى ولكنها تُحس.
في بيئة فنية يغلب عليها الحضور الذكوري، تفرض الفنانة المغربية ثورية الحساني نفسها كصوت نسائي حقيقي، قوي وعميق، لا تستجدي الاعتراف، ولا تلهث خلف الإعجاب، بل تشتغل في صمت، وفي كل لوحة تُراكم بصمتها وتُعلن عن رؤيتها للعالم.
هي تجربة تنتمي إلى مدرسة الفن كتعبير عن الذات، كتحرير، كأمل، ووسط عالم يسير بسرعة، تمنحنا الحساني عبر لوحاتها لحظة توقف، لحظة إنصات للعمق، للمسكوت عنه.
الفنانة ثورية الحساني ليست فقط فنانة تشكيلية عصامية من مدينة الصويرة، بل هي حالة فنية وإنسانية تُجسد معنى الإبداع في أبسط صوره وأعمق تجلياته، من خلال أعمالها التجريدية، تقدم لنا مرآة لروحها، وتدعونا، دون ضجيج، إلى أن نعيد اكتشاف أنفسنا والعالم من حولنا، إنها لمسة تجريدية حقيقية، تنبع من أعماق مدينة الرياح، وتصل إلى أعماق المتلقي، حيث الفن لا يُفسر بل يُحس.
تُؤمن الفنانة التشكيلية ثورية الحساني بأن الفن ليس مجرد تعبير ذاتي، بل رسالة تحمل في طياتها دعماً وتشجيعاً للنساء، خاصة من يعشن على هامش الحياة، فهي ترى في الألوان وسيلة لتحرير الطاقات الكامنة وبوابة لاكتشاف الذات، مؤكدة أن الريشة يمكن أن تكون صوتاً لمن لا صوت لهن، من خلال أعمالها، تسعى إلى إلهام النساء وتحفيزهن على الإبداع وكسر القيود المجتمعية، معتبرة أن كل امرأة تملك بداخلها فنانة تنتظر فقط من يمنحها الثقة لتخرج إلى النور.