
ماروك نيوز: نجيب نحاس
بقلم: نجيب نحاس
قبل الحديث عن أي تنمية حقيقية في دواوير ومداشر قبائل منطقة الأخصاص الكبير (مقورن) بإقليم سيدي إفني، لا بد من التوقف عند أصل الإشكال، وهو التقسيم الإداري لسنة 1992، الذي لم يكن في تقديري المتواضع في المستوى المطلوب لا من حيث العدالة المجالية ولا من حيث الرؤية التقنية.
ذلك أن التقسيم الذي أفرز جماعات ترابية جديدة لم يراعِ المعطى الجغرافي ولا التوزيع الديموغرافي للسكان، إذ تم بطريقة تُظهر غياب دراسات ميدانية جادة تُشرك خبراء وتقنيين لهم دراية بخصوصيات المنطقة. والنتيجة أن عدداً من القبائل، على سبيل المثال لا الحصر “إدغزال” و”إدشعود”، وجدت نفسها تابعة إدارياً لجماعة سيدي أحساين أوعلي، رغم بعدها عن مركز هذه الجماعة.
هذه المفارقة الجغرافية جعلت المواطن في تلك الدواوير مضطراً لقطع مسافات طويلة، وأحياناً المرور عبر نفوذ جماعة أخرى، من أجل قضاء أبسط أغراضه الإدارية باستثناء مصلحة الحالة المدنية حيث يتواجد فرع “أفراو” بمركز جماعة الأخصاص لتقريب خدماته للقبيلتين السالفة الذكر، وهنا يبرز السؤال الجوهري: “كيف نتحدث اليوم عن تنمية قروية في ظل تقسيم إداري يعقّد الوصول إلى أبسط الخدمات؟”.
إن هذا الواقع ينعكس مباشرة على حياة السكان اليومية، إذ ما تزال تلك المناطق تعاني من نقص حاد في البنية التحتية الأساسية: غياب الماء الصالح للشرب رغم وجود بعض الحنفيات، هشاشة شبكة الطرق والمسالك، ضعف النقل المدرسي والنقل عموما، غياب المراكز الصحية، فضلاً عن ضعف تغطية شبكة الهاتف والأنترنت، وكلها مظاهر تجعل التنمية مجرد شعار في غياب مقاربة ترابية عادلة.
ولعل العودة إلى التاريخ الإداري للمنطقة توضح جذور الإشكال، فقد كانت جماعة الأخصاص القروية في السابق تشمل هذه الدواوير ضمن نفوذها، قبل أن يُحدث التقسيم الجديد جماعتين: سيدي أحساين أوعلي وسيدي مبارك، التابعتين حينها لإقليم تيزنيت زيادة عن الجماعة الأم، إلى أن تم إحداث إقليم سيدي إفني سنة 2009.
إن ما نعيشه اليوم من اختلالات مجالية ليس إلا نتيجة تراكمات قرارات لم تُبنَ على دراسات ميدانية دقيقة، ولا على تصور تنموي شمولي يأخذ بعين الاعتبار واقع الجغرافيا والبنية المجتمعية.
من هنا، نرى أن إعادة النظر في هذا التقسيم باتت ضرورة ملحة، ليس فقط لتصحيح خطأ إداري مضى عليه عقود، بل لوضع أسس تنمية متوازنة تُعيد للمنطقة حقها في العدالة المجالية وتقريب الخدمات من المواطن، فالتنمية الحقيقية لا تُبنى على الخرائط، بل على فهم دقيق للإنسان والمكان.
ملاحظة:
الصورة إفتراضية من الأرشيف